نتفكرو كان نهار جمعة، كملت الخدمة في البيرو و خرجت روحي في خشمي فادد و ما عيني نحكي مع حتى حد بعد جمعة معبية بالخدمة و بالعكس زادة ... الدنيا كانت باردة ( أوائل شهر جانفي ) أما موش البرد إلي مستانس عليه، الدنيا معبية بالثلج و البياض يغطي الأفق ( هكا وصف مصطفى لطفي المنفلوطي باريس في أول زيارة لها ) ... لبست البرطوطة متاعي ( البوني ) و غميت على روحي بالكشكول، حطيت، حسب ما نتفكر، غناية " ما عندكش فكرة " متاع وردة في وذاني و خليت ساقيا يهزوني وين يحبو هوما، ما عينيش نخمم ولا نخدم مخي على خاطر ديما "يجب اللذي يجب" ( عملا بمقولة محمود درويش في قصيدة مديح الظل العالي )
" ما عندكش فكرة ... أنا إزاي في حبك ... بأضحي كتير "
هبطت في الحفرة متاع الميترو و حطيت "الباس نافيجو" ( الإشتراك متاع النقل العمومي ) على الماكينة، عمل صوت البيب المعتاد و تعديت، نلقا روحي راكب في ميترو عدد 2 من غير ما نشعر و وقتها بركا عرفت روحي وين ماشي : في برد كيف هذا ما تنفع كان صحفة لبلابي في " بال فيل " ... رجعت فيا الروح شوية و بديت نبروڤرامي شنوا باش نزيدها الصحفة : بزايد تن، و صحن طرشي، و عظمتين و نقطر قطرات خل و كان نلقا عندو بريك ناكل كعبة و نعصر عليها بزايد قارص و بديت ندندن مع وردة ...
" بحبك ... لوحدك ... من الدنيا ديا ... لأنك هوايا "
خرجت مالميترو و طلعت مالحفرة بحذا قهوة " الفايوز "، عرضني سمير صاحبي ( كان في يوم من الأيام عرفي في مدنين، علمني صنعة الصياغة و الذهب و قعدت نخدم معاه حتى لين حرق هو لفرنسا و أنا بعدو بعام كملت قرايتي و خرجت زادا باش نكمل قرايتي ) قاعد في القهوة، سلمت عليه هو و الجماعة إلي قاعد معاهم، بعد السؤال على الصحة و الأجواء العامة قالي أقعد أشرب قهوة، حكيتلو حكاية صحفة اللبلابي و كيفاش أنو " اللبلابي هو الحل و ليس المشكل " ... شديت فيه الصحيح هو و صحابو باش نعملو لكل صحفات و أنو ما ينجمو يقاومو البرد هذا كان باللبلابي، أما البرد إلي لبرا فشلهم، تفاهمنا باش نتقابلو بعد ما ناكل و نكمل ...
" أيوه أيوه أيوه ... أيوه يا أغلى الناس في عنيا... أيوه يا كل الناس أيوه "
و أنا متعدي عرضتني الكابينة متاع التليفون العمومي، و في شوارع "بال فيل" كل زوز كابينات تلقاهم لاصقين مقابلين بعضهم ... توحشت الوالدة قلت خليني نكلمها نسمع صوتها و نسأل على أحوال العايلة بأرخص الأسوام ( على خاطر التكليم مالكابينة يتكلف أرخص مالبورتابل )، نحيت جواندواتي و حليت باب الكابينة و دخلت، سكرت الغناية إلي كانت تمشي في أوذاني، بديت نلوج في الريبيرتوار على نومرو أمي ( ماني حافظ حتى نومرو إلى يومنا هذا ) و حطيتالبطاقة البنكية في الماكينة، بديت نكومبوزي في نومروها لين شفت راجل شايب في الكابينة إلي مقابلتني : كان لابس مارساياز، الشعر لبيض خارج من حواشيها، ينفخ فالدخان من خشمو، شادد بإيد سماعة التلفون و متكي بلخرا على الماكينة و بين صوابعو سيجارو قريب يطفى ...
إلي جبدني ليه موش مظهرو، أما الدمعة الهابطة من عينو و ما بانت كان وقت لي تعكس عليها ذو الكراهب إلي متعدية ... قعدت نتفرج عليه مين غير ما يحس بيا و هو ما بطاش، حط السماعة في بلاصتها و دز باب الكابينة باش يخرج، أنا من غير ما نخمم جبده الكارطة متاعي و دزيت الباب و خرجت وراه، وقت لي وصلت بحذاه جبدت من جيبي كعبة موشوار و قتلو :
- Tenez Monsieur ...
- يعيشك ولدي يبارك فيك ...
- تونسي عمي ؟؟ ( ما جاوبنيش ) ... كنت نستخايلك فرنساوي هاذكا علاش ...
- يا ولدي لبلاد هذي قد ما تعيش فيها تبقى ديما غريب ... ( و نفر خشمو في كعبة الموشوار إلي هزها مني )
- وين ماشي تو ؟؟ كان ما عندك ما تعمل كان تحب نشربو حاجة ( نسيت وقتها اللبلابي و موعدي مع سمير و كل شي ) !!!
- أنا بطبيعتي ماشي ...
و قعد يشوفلي في نظرة عجيبة ما فهمت منها كان أنو يحبني نمشي معاه و ما نخليهش وحدو أما موش منجم يصرح بالشي هذا ... مشينا حتى لين وصلنا لبار متاع واحد تونسي، دوب ما قعدنا جاه كاس " باستيس " و قالي السارفور " شنوا تشرب ؟؟ " ياخي كيف العادة طلبت إكسبريس سيري ... دوب ما مشى الراجل تلفتلي الشايب و قالي :
- عمك البشير عشت 13 سنة في مارساي، وليت حتى في الشراب ما انجم نشرب كان شرابهم ... إنت منين و شنوا تعمل هنا في فرنسا ؟؟
- أنا كيفك تونسي، من مدنين، و نخدم مهندس هنا في باريس...
- ربي يبارك و يزيد، أي و علاش ما بقيتش في تونس ؟؟؟ موش خيرلك !!!!
- ما لقيتش غادي الشي إلي نعمل فيه هنا عم بشير، على كل حل ربي يخفف غربة كل مومن، و تبسمتلو باش يطمانلي، ... أما ما تقوليش علاش حزين عم بشير ؟؟
- إيه يا ولدي ... إلي تعدى على الصلعة هذي، و نحا المارساياز، حتى واحد ما ينجم يتحملو ...
- تي ربك يفرج الكرب ... إنت وسع بالك و أكاهو ...
أنا جاتني قهوتي و هو ترشف من كاسو و قالي
- أكيد مستغرب كيفاش شيباني كيفي و دمعتو تهبط ... و نعرفك مستغرب زادة كيفاش واحد في "بال فيل" يستدعاك باش تشرب حاجة من غير ما يعرفك ( و بالحق ما يعملها حتى حد الفازة هذي و أنا ديجا مستغرب منها ) ... أما هاني باش نوسعلك خاطرك و نهنيك : كنت نكلم في خويا بنتو ولدت و جابت ولد سماتو بشير على إسمي، و زادت هبطت دمعة من عينو و سبقها بالموشوار، أنا يا سيدي جيت لفرنسا عام 80 ، و من عامتها ما روحتش ...
أنا جيت باش نحل فمي و نسألو و هو سبقني بالكلام :
- من غير ما تسأل، نعرفك باش تقلي علاش ما روحتش، و وينهم أهلي، و كيفاش انجم نصبر هذا لكل و ما نشوفش بلادي و عايلتي ... !!!! خرجت مالبلاد عمري ثلاثين عام، كنت نخدم كونترولور في الكار في تونس العاصمة، كل صباح نخرج مالدار مع الخمسة متاع الصباح، نستعوذ مالشيطان و نتوكل على ربي، نشد الكار متاعي، نعدي سويعات الخدمة و نروح نلقى أمي تستنى فيا هي و الحاج إلي إيديه الزوز تقصو وقت لي تفرقع عليهم لغم أيامات إلي يخدم في الفلاحة في البلاد، و وشوشلي " ماهو أصلنا من مجاز الباب "، يروحو خواتي الزوز، واحد حداد و لاخر شادد العطرية متاع الوالد، تلمنا الطبلية متاع الماكلة و براد التاي بعد ما نكملو ... حياة عادية كيف أي عيلة بسيطة في تونس العاصمة ...
- أي حتى لهنا حلو عم بشير، شنوا إلي صار باش يخليك "تهج" ؟؟
- يا ولدي شبيك ما تصبرش، تي أنا مإلي شفتك تحرك في السكر متاع القهوة عرفتك تموت على التفاصيل، عمري ما ريت واحد يبقى يتفرج على طابع السكر كيفاش يذوب في الفنجان كيفك، هذاكا علاش هاني نعطي فيك فالتفاصيل، أي ماهو حب ربي أنو الإدارة تبدلني و تحطني نخدم على خط سبيطار النسا " عزيزة عثمانة "، تعرفو ؟؟ (ياخي أنا هزيت براسي)، ثمة وحدة كل يوم تركب في الكار : تلبس في سفساري، يبانو خصلات شعر مستحمرة فوق جبينها، ديما تطلع من أول محطة، تقلي " صباحك بالخير "، تخلصني و تشد البلاصة إلي بحذايا لين توصل السبيطار تهبط ... أنا كنت نستخايلها تخدم فرملية غادي على خاطر ديما ريحتها فايحة وقت لي تتعدى ... طالت المدة و أنا نشوف فيها كل يوم لين ربيت عليها الكبدة ... نهار كلمت سالم الشوفور متاع الكار قتلو راني باش نهبط في عزيزة عثمان عندي قضية و فالرجوع يتعدالي، هي هبطت و أنا هبطت في جرتها، وقت لي وصلتها قلتلها
"أختي، سامحني !!" هي تلفتت و قالت " شكون، بشير ؟؟؟ " !!! أنا بهتت كيفاش عرفت إسمي أما ما حبيتش نبقى ساكت، قلتلها " أي بشير، إنجمش نعرف إسمك، والله نيتي طيبة و نحب ندخل الديار من أبوابها " ... طبست راسها و قالتلي " وردة " ... أنا وقتها قلبي بدا ينڤز في بلاستو مالفرحة، الطفلة قالتلي إسمها و ديجا تعرف إسمي ... قلتلها " أي و وقتاش انجم نشوفك خارج أوقات الخدمة ؟؟ " .. هي هزت راسها متعجبة و قالت " أما خدمة ؟؟ " .. ياخي بنفس التعجب سألتها " موش تخدم في السبيطار ؟؟" ... إطرشقت بالضحك و قالتلي " إنت ماهو تشوف فيا كل يوم ماشية جاية تسخايلني نخدم هنا !! أنا ما نخدمش، بنت دار، أما عندي أمي راقدة هنا، حاشاك عندها المرض الخايب، كل يوم نجي نبقى بحذاها حتى للعشية نونسها " ... أنا وقتها تأسفت و هبطت راسي، لين سمعت سالم يزمرلي في المحطة، تفهمنا باش نتقابلو غدوة لعشية بعد ما تخرج هي و نكمل أنا الخدمة ...
- أي حتى لهنا حلو عمي بشير .. وين المشكلة ؟؟
- إنت باين عليك ما تحبش التفاصيل، والله لما نمشيلك للخر (أنا حشمت كيفاش نشد الصحيح و سكتت :( ) بقينا نتقابلو لمدة 8 شهور و عرفت أنها من عيلة متوسطة و أنو ما عندهاش إخوة و بوها يخدم في معمل " ستيل " متاع الحليب ... صرحتلها بنيتي بالزواج بيها و وافقت، أعلمت الوالدة و هي قالت للشيباني و تفهمنا على نهار باش نمشو نخطبو ( الشايب مشى شاف بوها و تفاهمو على دقائق الأمور على خاطر يحب يفرح بها قبل ما أمها ياخذ ربي أمانتو منها ) ... أما، و لسوء الحظ، توفت أمها قبل ما نمشو لدارهم بنهارين، عزيتها و حاولت نواسيها ... بعد الأربعين مشى الشايب باش يشوف بوها و يزيد يحكي معاه على تأجيل الخطبة، ياخي قالو موش وقتو على خاطر هو ناوي يعرس و ما ينجمش يبقى وحدو في الدار ... وردة ماعادش نشوف فيها على خاطر ماعادش عندها سبلة باش تخرج، و وقتها ما ثماش تليفونات ... بعد شهر سمعت أنو بوها عرس ( باعتبار أني كل يوم نصقسي في حومتهم ) ... بعد ما عرس بوها تقابلت أنا و وردة بالصدفة و حكتلي على مرت بوها كيفاش تعامل فيها و أنها تخمم باش تهج، أنا قلتلها وسع بالك و حول تكسب ودها و عن قريب نعرسو و ترتاح منها ( و يا ريتني ما نصحتها ) ... بعد جمعة بالضبط جاني الوالد و قالي " وليدي شوف بنت حلال أخرى، راهو عمك عبد السلام ( بو وردة ) عطا بنتو لواحد في حالو و عندو شوية أملاك و طلع موش قد كلمتو " ... بابا كمل كلامو و أنا مشيت نجري لحومتها، نلقى بوها مروح مالخدمة، بديت نحكي معاه و نسأل فيه ياخي تقبح عليا ... كلمة مني كلمة منو جبدت البوسعادة متاعي و حكيتها فيه و هربت ( بعد ما سوادت الدنيا في وجهي ) ... بقيت متخبي نهارين مانيش عارف شنوا نعمل، خويا لكبير قالي نمشي نخبي وجهي عند عمي في فرنسا عام ولا زوز و هو تو ياخذلي كونجي "صان صولد" ( وقتها كانت فرنسا بلاش فيزا ) ... بعد ما جيت صدر عليا حكم ب 13 عام حبس، ما نجمتش نرجع فيهم للبلاد ... و زيد في فرنسا ما عملتش الأوراق، توفى الوالد عام 1990 و لحقتو الوالدة العام إلي بعدو و زيد وردة خذاها راجل أخر ما عاد عندي ما يربطني بتونس كان إخوتي، و زيد كان نخرج من فرنسا ما عادش إنجم نرجعلها ... هوما كل مرة هاهم يجو يطلو عليا و أنا نسمع في أخبارهم بالتليفون ...
أنا قعدت مبهم، جيت نترشف في القهوة نلقاها كملت ... هز عم بشير عيونو فيا و قالي :
- القهوة كملت، و الحكاية إلي جيت إنت على خاطرها كملت، عندي ما نعمل تو، كان تجي كل يوم الوقت هذا تلقاني هنا ... هيا في لامان ولدي ...
جا باش يخلص حلفت عليه و خلصت القهوة و كاس الباستيس متاعو ... خرجت ندز في ساقيا و مخي ضايع، نلقى حفرة الميترو قدامي هبطت، عديت "باس النافيجو " في الماكينة و تعديت، بعد ما شديت بلاصة في الميترو جبدت السماعات و حطيتهم في أوذاني و حليت الغناية قالتلي وردة :
"فوق الحب ... بحبك حب ... لو قسموه على كل جراح الدنيا تطيب ... و إنت حأقولك مين في حياتي، ما إنت أحب سبب لحياتي "
بي أس : بويسك ما كليتش اللبلابي إلي مشيت على خاطرو ل " بال فيل"، كي روحت طيبت عجة، و سمير إلي وعدتو أني باش نرجعلو كلمتو باش نعتذر و حددت معاه موعد آخر من غدوا