نظر إلي وليد و بدا الإرهاق عليه واضحا، و هو يجيب : تأخرنا في العمل الليلة، و لكن لماذا لم تخلد للنوم حتى الأن يا أبي ؟؟؟ يجب عليك أن ترتاح و لا ترهق نفسك بالسهر.
ابتسمت قائلا:
- لا تقلق يا ولدي ... فما زلت في ريعان الشباب
إبتسم وليد إبتسامة خفيفة ثم إتجه إلى حقيبته و هو يقول :
- هيا يا حاج محمود لنتناول وجبة العشاء سويا ... فأنت لم تذق شيئا منذ صباح اليوم !!
- و من قال لك هذا ؟؟ الآن أنهيت عشائى بالفعل ...
- كيف ؟؟ و من أحظر لك العشاء ؟؟
نظرت إلى وليد مستنكرا، كيف له أن يطرح مثل هذا السؤال ؟؟ ثم أجبت : والدتك طبعا هي من أعدته !!!!
ثم أشرت إلى الأطباق الفارغة المتراصة على الطاولة متابعا :
- ألا ترى هذه الأطباق ؟! ، لقد أعدت والدتك العشاء ، وتناولناه سويا ، وظلت تنتظرك كثيرا ، ولكنك تأخرت فغلبها النعاس .
نظر وليد إلى الأطباق الفارغة ، ثم عاد مرة أخرى بنظرة إلىّ قائلا فى إصرار :
- لا يا أبى ، لن أتناول عشائى بدونك ، أترضى أن أنام وأنا جوعان ؟
أستسلمت لرغبته ، فجلست معه على الطاولة لنتناول الطعام ، وقد أكتشفت أننى بالفعل جائع ، وكأننى لم آكل منذ قليل .. وبعد برهه من الصمت ، نظر إلىّ وليد وهو يتسائل قائلا :
- هل فكرت فى موضوع ليلى يا أبى ؟
تطلعت إليه أنا الأخر متسائلا ، فتابع محاولا تذكيرى :
- ليلى يا أبى ، ليلى بنت الدكتور محمد .
أنتفضت فجأة عندما سمعت أسم الدكتور محمد ، وتغيرت ملامحى ليبدو عليها الغضب واضحا ، والذى أنتقل إلى صوتى وأنا أجيب :
- قلت لك ألف مرة لا .. لن تتزوج من هذه الفتاه .
ثم ثم أبتعدت عن المنضدة تاركا العشاء ، متجها إلى غرفة النوم ، وأنا أتابع بنفس النبرة الغاضبة :
- لن تتزوج ببنت الدكتور محمد هذا .. لن تتزوجها أبدا ..
- أمازلت هنا يا أستاذ محمود ؟ ، زوجتك تنجب طفلك الأول فى المشفى ، وأنت مازلت هنا ؟!!
تطلعت إلى مديرى فى العمل ، ثم نظرت مرة أخرى إلى مكتبى الذى أحاول جاهدا أن أرتب الأوراق عليه ، ولكن فرحتى بطفلى الأول جعلتنى مرتبكا إلى أقصى حد ، فكانت الأوراق تتساقط منى بإستمرار .. أطلق مديرى ضحكة مرحة ، ثم قال لينقذنى من ورطتى هذه :
- هيا يا رجل ، فلتترك هذه الأوراق ، وتذهب أنت إلى زوجتك .
بالفعل أنقذتنى هذه العبارة ، فتركت المكتب بأوراقه المبعثرة ، وأسرعت متجها إلى الباب ، ولكن المدير أستوقفنى متسائلا :
- أستاذ محمود ، هل عرفت من تنتظر قدومة ، ولد أم بنت ؟
- نعم ، لقد رأيته أنا وزوجتى ، إن طفلنا سوف يكون ولدا بإذن الله .
- وهل أخترت له أسما أم لم تفعل بعد ؟
- بالطبع أتفقت أنا وزوجتى على الأسم ..
ثم تطلعت إلى سقف الحجرة وأنا أتخيل رضيعى متابعا :
- لقد أتفقنا أن نسميه وليد ..
- أنتظر يا أبى .
أستوقفنى وليد بهذه العبارة قبل أن أصل إلى غرفة النوم ، ثم تابع – وقد داعب صوته القليل من الحدة – قائلا :
- لماذا يا أبى ؟ لماذا كل مرة أحدثك عن ليلى تفقد أعصابك ثم تذهب وتتركنى هكذا ؟
تطلعت إليه ، وأنا أسأل نفسى نفس السؤال .. لماذا بالفعل كل هذه العصبية ؟ ، ثم لماذا أرفض زواجه من ليلى ؟ ، بل لماذا أنفعل دائما عندما أسمع أسم والد ليلى الدكتور محمد ؟ ، فأنا حقا لا أعرف لماذا ...أنقطعت أفكارى فجأة عندما لمحت زوجتى وهى تخرج من غرفة النوم ، وفى عينيها نظرة تسائل .. لماذا هذا الشجار ؟ .. فنظرت إليها وعلى وجهى أرتسمت إبتسامة رقيقة ، ثم إلتفت إلى وليد مرة أخرى وأنا أقول فى عتاب :
- أترى ماذا فعلت بصوتك المرتفع هذا ؟ ، لقد أيقظت والدتك وهى مرهقة طوال النهار ، وتحتاج إلى الراحة .
ثم نظرت مرة أخرى إلى زوجتى ، قائلا لها بصوت حنون :
- فلتخلدى إلى النوم مرة أخرى يا حبيبتى ، فلا تقلقى نفسك ، ولا تشغلى بالك ، إنه لأمر بسيط .
تطلعت إلىّ هى الأخرى ، وابتسمت ابتسامة بريئة لتنير وجهها رائع الجمال ، الذى لم يتسلل إليه أى لمحة من التجاعيد .. ثم تطرق إلى مسامعى صوت وليد وهو يتنهد تنهيدة طويلة تنم عن الملل الممزوج بالسخرية ، فألتفت إليه فى غضب واضح قائلا :
- أتريد أن تعرف لماذا أرفض زواجك من بنت الدكتور محمد ؟
تابعت بسرعة – وأنا أشير إلى زوجتى – دون أن أدع له مجالا للرد :
- هذا لأن والدتك هذه ترفض زواجك منها رفضا باتا ، فهى تكره والدها بشدة .. ولأننى أحب والدتك وأحترمها ، فيجب أن أحترم رغبتها وأنفذها .. والدتك هذه هى التى قامت برعايتك طوال هذه السنوات ، فيجب أن تطيعها أنت أيضا .. والدتك هذه هى الـ...
- أبـــــــى .. لقد ماتت أمى منذ زمن ....!!
دلفت إلى المشفى مسرعا وأنا أحترق شوقا لرؤية زوجتى ورضيعى الأول ، ثم صعدت الدرج مسرعا إلى غرفتها ، ولكنى توقفت فجأة .. لقد كان أقاربى وأقارب زوجتى يجلسون أمام الغرفة .. وكان البعض منهم حزين ، والبعض الأخر يبكى .. فتسلل القلق إلى قلبى .. هل حدث لرضيعى شئ ؟ ولكنى رأيت دكتور محمد يتقدم نحوى ، ثم يمد يده ليعطينى طفل صغير وهو يقول :
- هذا هو وليد .. أبنك ..
أخذت منه رضيعى فى لهفة وسعادة ، ولكننى شعرت فى صوته هو الأخر لمحة حزن ، فتطلعت إليه متسائلا فى قلق :
- هل وليد أبنى بخير حال ؟
- ابنك بخير والحمد لله ، ولكن ..
نظر إلى الأرض فى أسى ، ثم عاد ليرفع رأسه مرة أخرى – وقد ترقرقت الدموع بعينيه – متابعا :
- ولكن زوجتك ..
لم يستطع إكمال عبارته ، ولكنى أدركت .. أدركت لماذا كل هذا الحزن .. لماذا كل هذه الدموع .. فشعرت أننى بدأت أفقد توازنى .. ناولته وليد سريعا .. و ..
- هذا هو وليد .. أبنك ..
أخذت منه رضيعى فى لهفة وسعادة ، ولكننى شعرت فى صوته هو الأخر لمحة حزن ، فتطلعت إليه متسائلا فى قلق :
- هل وليد أبنى بخير حال ؟
- ابنك بخير والحمد لله ، ولكن ..
نظر إلى الأرض فى أسى ، ثم عاد ليرفع رأسه مرة أخرى – وقد ترقرقت الدموع بعينيه – متابعا :
- ولكن زوجتك ..
لم يستطع إكمال عبارته ، ولكنى أدركت .. أدركت لماذا كل هذا الحزن .. لماذا كل هذه الدموع .. فشعرت أننى بدأت أفقد توازنى .. ناولته وليد سريعا .. و ..
- نعم يا أبى ، لقد توفت أمى يوم ولادتى ..
نظرت إلى وليد غير مستوعب ما يقول ..
- .. أنا حتى لم أرها سوى فى الصور ..
ثم تطلعت إلى زوجتى التى مازالت واقفة بإبتسامتها الساحرة ..
- .. ودكتور محمد لم يقصر معها ، لقد بذل قصارى جهده ..
ولكن هل صورتها تهتز أمامى أم أنا أهذى ..
- .. ولكنها إرادة الله ..
لا ، ليست صورتها فقط هى التى تهتز فى نظرى ..
- .. وأنا أحب ليلى يا أبى ، ولن أفقدها أبدا ..
لقد كانت الغرفة بأكملها تهتز فى ناظرى ، وبدأ النور يختفى تدريجيا ، ولكنى مازلت أرى ابتسامة زوجتى الساحرة .. فابتسمت لها أنا الأخر .. و ..
- حتى لو لم توافق يا أبى ، سو.... أبى .. أبى .. هل أنت بخير ؟!! أبــــــــــى ...
وأظلمت الدنيا أمامى ....
نظرت إلى وليد غير مستوعب ما يقول ..
- .. أنا حتى لم أرها سوى فى الصور ..
ثم تطلعت إلى زوجتى التى مازالت واقفة بإبتسامتها الساحرة ..
- .. ودكتور محمد لم يقصر معها ، لقد بذل قصارى جهده ..
ولكن هل صورتها تهتز أمامى أم أنا أهذى ..
- .. ولكنها إرادة الله ..
لا ، ليست صورتها فقط هى التى تهتز فى نظرى ..
- .. وأنا أحب ليلى يا أبى ، ولن أفقدها أبدا ..
لقد كانت الغرفة بأكملها تهتز فى ناظرى ، وبدأ النور يختفى تدريجيا ، ولكنى مازلت أرى ابتسامة زوجتى الساحرة .. فابتسمت لها أنا الأخر .. و ..
- حتى لو لم توافق يا أبى ، سو.... أبى .. أبى .. هل أنت بخير ؟!! أبــــــــــى ...
وأظلمت الدنيا أمامى ....