تقدم أحد أصحاب المطابع بطلب السماح له بطبع الآية الكريمة "يد الله فوق أيديهم" فلم يوفق!
( قبل الحومة ببصقة )
هذه المدينة لم تحقق حلمها لأنها مازالت نائمة
هذه المدينة ..تحلم بأن تُصبح عاصمة ..!
( سور المدرسة )
هنا اربعة خطوات بين فردة حذاء و فردة حذاء اُخرى
كان اطفال الحي يرسمون بها المرمى
بينما كان المرمى الآخرمرسوماً كطيف
بين باب المدرسة و باب غرفة الحارس
و لأنهم جميعاً يريدون ان يكونوا بمثابة الهداف الماهر
تقرر ان يصدروا نظام ( آخر واحد حارس ) ..!
( دكان الحومة )
كان هنا اربعة صبية
الأول اصبح الآن مجنداً في الجيش
و الثاني مازال حتى الآن يعيش
و الثالث اصبح الآن تاجراً يأكل الدجاج و يبيع الريش
و الرابع الآن يشتري من الثالث و يبيع للأول و الثاني الحشيش ..!
( هذا مؤذن المسجد صالح )
يبيع صناديق البطاط و الثوم و الفول و الليمون
و ينادي الناس للصلاة من ذات المايكرفون ..!
( هذا صديقي ... السوجيڤات )
كان إلى جانب الطريق .. يسير
يُطعم ثقب جيبه بعضاً من اصابعه
يلتقطها احد المارة و ينادي ( لمن تكون هذه الأصابع )
و لا يلتفت .. خشية أن يعلم الناس بثقب جيبه الجائع ..!
( هذا صديقي .. خريج سجون )
ذات يوم سأله ضابط أمن :لما تخبئ التُراب في جيبك ؟
قال له : إطمئن , انا لا اخبئ ايةُ شيء
فهذا التراب لوطنٍ اراد ان يدفنني و انا حي ..!
( هذا صديقي ... إبن الحارس )
اراني ذات يوم صورة لحذاء .. وقال بملئ الحنين هذه صورتي عندما كنتُ طفلاً في المدرسة
سألته بتعجب : اين ! .. قال : معك حق
انت لا ترني لقد كبرت و لم تعد تتسع الصورة لغير الحذاء ..!
( هذا عم علي : موظف متقاعد )
ذات يوم ..
سألني وهو ينظر الى الشارع
ماذا لو انك كنت تلك الشجرة !
هل ستقبل بأن تبقى على الرصيف ؟
قلت : و ما المشكلة !
ابتسم و قال : هكذا كان يقول ذلك المقعد قبل الخريف ..!
وضع ختم المغادرة على جواز سفري بعد التدقيق، هكذا أصبحت خارج الحدود بالرغم من أني مازلت في مطار جربة، لم يعد مسموحاً لي بالعودة من تلك البوابة إلا بختم دخول مرة أخرى.
وصلت في الخامسة فجراً ولازال هناك ثلاثة ساعات على موعد إقلاع الطائرة، يمر الوقت بطيئاً وصالة المطار تبدو هادئة نسبياً، الشيء الوحيد المزعج أثناء سيري نحو مقاعد الانتظار مشاهد الوداع التي تطاردني وبعض الذكريات تمر أشباحاً في مخيلتي وكأني أحد ركاب القطار فقط بالكاد ألمح أسماء المحطات التي أمر عليها.
هنا بين الأصدقاء شاهدت مباراة الإفريقي و الترجي، نزهة بمقهى الحديقة ( قهوة الجردة) في ليالي رمضان، صراع صامت بيني وبين صديق حول طرح رامي وأم كلثوم تغني "أراك عصي الدمع"، جولات على دراجتي في أواخر الليل أو بالأحرى بداية الصباح، وأداء عبد الحميد التمري في مقهى الأولمبيك على الساعة الثالثة صباحا و هو يحدثنا عن كيفية صنع اللاقمي ... عركة لنصرة صديق، ضربت فيها فقط تطبيقا لقاعدة : " الكثرة تغلب الشجاعة "، زملاء دراستي يرافقونني على غير العادة إلى بيتي بعض يوم دراسي و أنا الوحيد بينهم الذي لا يعرف أن أعز أصدقائي مات. دموع أمي يوم تخرجت و تحصلت على شهادة الهندسة، تأمل الوجوه في لحظات الوداع ، ويفرض نفسه مجدداً السؤال الصامت:
- زعمة باش نشوف مولود جديد لأول مرة وقت لي باش نروح ؟؟ و شكون مانيش باش انجم نشوفو مرة أخرى خليني نشبع به تو !!
جلست بمقاعد الإنتظار الفارغة تقريبا ناظرا إلى البوابة المؤدية إلى الطائرة محاولا الاستغراق في النوم هربا من ملاحقة الذكريات و لإعدام الوقت.-بعد غفوة ظهرت لي قصيرة لكني لا أعرف كم استغرقت، شعرت بقشعريرة شديدة و صوت جلبة في مقاعد الإنتظار حولي التي أصبحت مكدسة و كل من حولي يستعدون بعض أن جاء أمن المطار و فتح بوابة السفر، حرارة لا تطاق و هواء شديد صادم من البوابة التي فتحت،كانت الوجوه مألوفة ربما لا أعرفهم لكني لمست فيهم دمائهم العربية التي يوحدها الدين الواحد والمصير الواحد، حيث دفء العلاقات الأخوية الحميمة بين الأشقاء … أو كما أتمنى أن تكون. أمعنت النظر في اللوحة الالكترونية التي أعلى البوابة " بوابة رقم 2 رحلة رقم 154 جربة ـ القاهرة " ... أطللت من خلال البوابة مجددا مستغرباً الحرارة الشديدة القادمة منها وكأنها فتحت على عاصمة الفاطمييين … القاهرة.
بابتسامة بلهاء … تركت مقعدي عائداً إلى البوابة رقم 1 حيث رأيت على مقاعد الانتظار .حيث المسافرون وجوههم مختلفة رجالاً ونساءً الشعر أصفر والوجوه شقراء حتى التونسيين منهم مختلفون أيضاً.صعدت سلم الطائرة واضعاً يدي في جيبي متجنباً النظرة الأخيرة على أوجاع الوطن مردداً مقطع من رباعيات صلاح جاهين و غناه محمد منير " إيديا في جيوبي وقلبي طرب … سارح في غربة بس مش مغترب … وحدي لكن ونسان وماشي كده … بابتعد ما أعرف - أو بأقترب
مرحباً أيها النازل للمرة الأولى .. هذا المنحدر.. مرحباً أيها الراكب ظهر الحرف.. نحو الحتف .. وبث الروح في نبض الحروف. إربط حزام الخوف..أنت في أهزوجة الجن.. بقايا من لحون.. لا تخف .. حصّن الروح ورتّل تعاويذ البقاء... وانطلق في عالم الموتى بقايا من فناء... لا تخف.. واشحن الآهات .. واعصر ما تبقى من دماغ... واكتب..وسجل