• الرئيسية
  • تطبيقة المدونة في ال google sotre
  • تطبيقات الرئيس في google store
  • dimanche 30 octobre 2011

    !! نڤُولِلكم سر



    بعد أن قضى أكثر من ثلاثين سنة في عمله كساعي في مكتب تابع لوزارة التربية، أحيل على التقاعد المبكر لطول خدمته و وصوله السن القانونية، لم ينس أن يوصي كل من يعرف و كل من ربطته به علاقة صداقة أو عمل أن يعلمه في حال شغور مكان يمكن أن يعمل به لعدم تحمله الجلوس في المنزل دون أن تشغل هواجسه مواقيت العمل أو التزاماته أو حتى دعوة زوجته عند الخروج لكسب رزقه ... حتى وجد تلك الوظيفة، عامل مصعد في مبنى يجمع عددا من المهندسين و المحامين و الأطباء مكون من ستة طوابق.

    لم يمر الأسبوعان الأولان على رأس وظيفته الجديدة إلا و إستطاع أن يحفظ إلى أي طابق يتجه كل من يعمل في المبنى و يميز الضيوف من الحرفاء من العاملين عند رؤيته لوجوههم.
    يصل كل صباح قبل الجميع عند السابعة، يتوجه إلى غرفة العملة ليبدل ملابسه و يصف أمام المصعد عند السابعة و النصف بزي العمل : فيستة ( سترة ) زرقاء ترنو نحو الرمادي، يوشح كتفها الأيمن و الجيب الأيسر أشرطة ذهبية، و أزرار بنفس اللون يغلب عليها الصدأ؛ حذائه بسيط جدا ذو لون أسود، تعتلي جلده شقوق متداخلة كدوائر، إن أمعنت النظر إليه لإستطعت تخمين عدد المرات اللتي صبع فيها ذلك الحذاء بين يدي الإسكافي ( الملاخ ).
    كانت أول الكلمات اللتي يسمعها القادمون لركوب الأسانسير  " إسلاااااامو عليكم "، و كلما فتحه لخروجهم يقول " مع ألف سلامة "، لا يعتريه الملل أبدا من إعادة و تكرار تلك الكلمات مئات، بل آلاف المرات في اليوم بالرغم من عدم إعارة الناس الاهتمام بها و عدم الاكتراث بسماعها، لكنها تبقى دائما بالنسبة له لغة حوار معهم، حيث أنه لم تسنح له الفرصة لمعرفة أسمائهم أو تجذب أطراف الحديث معهم، هو في مكانه ليقضي عمله فقط، لا يريد أن يترك إنطباعات أو يكون صداقات، يفضل أن " على روحو " طوال اليوم.

    ضغط أنامله على لوحة أرقام الطوابق يكاد لا يرى، يعتبر ذلك سرا و إتقانا لعمله، حتى أن بعض المرتادين على المبنى يتناقلون سرا أن لديه قدرات خارقة : يكفي أن يرمق رقم الطابق على اللوحة فينفذ المصعد الأمر في الحال.
    ما إن يبارح المصعد الطابق الأرضي أو يهبط من أي طابق آخر، تجده يصفر بعذوبة و يترنم بألحان هادئة مغمضا عينيه أو متأملا في السقف، تلك هي عادته و لم يتساءل أحد أبدا عنها، فهو بالنسبة للجميع حالة خاصة، إنسان غريب يطبع عليه الهدوء طابعه لكن لم يصدر منه قط ما قد يضايقهم أو ينفرهم منه.

    أثناء فترة الإستراحة يتجه إلى الساحه الخلفية من البنا ذي الست طوابق، يخرج غذائه من جيبه ملفوفا في ورق جرائد، وجبته اليومية تتكون من الكسرة اللتي تعدها له زوجته محشوة بالبيض و البطاطا المطهوة في الماء و الملح، بعض السويقة اللتي يخلطها بالماء و يشربها باردة، و بعض مما تجود به زوجته مما إستطاعت أن تجده متوفرا في صباحهما، يفتح القميلة و يكتشف نصيب يومه و يتمتم مبتسما " الله يكرمك و يخليك يا أم جميلة ".
    يتربع على الرصيف في ظل شجرة مداعبة قطته المشمشية اللتي تعودت وجوده في ذلك المكان معها، يمرر أصابعه تحت ذقنها فتموء برقة، يضحك ضحكة طفولية فيظهر ما تبقى من أسنانه بصفرتها الداكنة.

    في نفس المكان و الميعاد من كل يوم، بمجرد ظهوره في الباحة الخلفية، تخرج تلك القطة من مكان مجهول و تلتصق به، مع أنه لا يطعمها، فقط يدغدغها و يلعبها بعض الشيء، و عندما يهم بأكل ما حضرته أم جميلة، تجلس أمامه و تنظر إليه في سكون.
    يأكل الكسرة على عجل ثم يدخن سيجارتين متتاليتين لأنه لا يستطيع التدخين داخل المبنى، ثم يرمي بقرص من النعناع في فمه : لا يحب أن يحس أن أحد الراكبين داخل الأسانسير منزعج من رائحته، يغمض عينيه و يسند رأسه على جذع الشجرة واضعا يده الأخرى على ظهر القطة و يسدل عينيه و يغفو عشر دقائق بالتمام. 
    تعطل المصعد ذات يوم، و جيء بالفنيين لإصلاحه، وقف متأملا و محدقا في ما يفعلون مبررا لهم ذلك بقوله  " ماني قبل خدمت شوية تريسيتي ... هذاكا علاش نحب نتعلم " ... لم يعترضو، بل طلبو منه أن يشترك معهم. و ب الفعل عندما تعطل المصعد في المرة التالية لم يبلغ مديره، و ناجح في إصلاحه وحده، لم يعلمه إلا عندما إشتغل و كأن شيئا لم يكن، فسر له أنه تعلم من الفنيين في المرة الفارطة و أنه أصبح على دراية بآلية عمله. أخرس كلامه المدير و لم يستطع أن يوبخه بأن ما فعله ليس من مشمولات وظيفته و أنه بذلك كان من الممكن أن يعرض حياة بشر للخطر، لكنه إتصل بوقالت التصليح ليراجعو وراءه، و عندما تفحصوه أكدو أنه تم إصلاحه بالطريقة الصحيحة.

    السر اللذي لم يبح به لأحد أنه في الأصل يصاب ب الدوار من المصعد ( الأسانسير) و لم يساعده على تجاوز ذلك لا عاداته و ممارساته الغريبة اللتي كان يفتعلها ليشغل نفسه عن الدوار و لا وجوده اليومي فيه 



    5 commentaires:

    1. تعرف شنوا يعجبني في كتاباتك سي زياد .. هو التسلسل في الأحداث وترابطها بشكل طريف جدا .. لكــن هالمرة .. اذا تسمح لي ملاحظة صغيرة .. النهاية ما كانتش كيما توقعتها و حسيتها مش مرتبطة حقيقة باللي قبلها ..
      ما نعرفش يمكن تشوفها مناسبة .. لكن مقارنة باللي قريتو قبل .. هذي ..امممم .. حسيتها ناقصة ..

      RépondreSupprimer
    2. حتى أنا نشاطرك الرأي ... أما الواقع ما حبيتش نطولها الحكاية أكثر من هكا على خاطر الحكاية واقعية و تفكرتها على خاطر عم محمود توفى أمس، كان زدت غصت فالحكاية راني جبدت خنار أكثر من هكا أما اجتنابا لاستفزاز مشاعري تحاشيت التعمق في بقية التفاصيل

      RépondreSupprimer
    3. Même remarque que Asma, t7ess famma fassel bin el 7kéya w ennihéya, 7al9a dhay3a quoi
      el mouhem errajel Allah yar7mou w yssaber 3ayeltou

      RépondreSupprimer
    4. la fin a sauvé le texte, si on ne la lit pô au pied de la lettre! surtout que ce n'est pô facile de captiver le lecteur par un texte descriptif.

      RépondreSupprimer
    5. الله يرحمو و يغفرلو و يدخلو الجنة ان شاء الله ..
      مالا نعطيك الحق .. لأن الاسترسال في الذكريات إنما يقلب فينا المواجع ..
      وتخنقنا الذكرى و فإما أن نبتسم و إما أن نسكب دمعة تهرب عنوة ..
      أنتظر كل جديدك " ولد حومتي" .. وإلى لقاء قريب ..

      RépondreSupprimer

    جميع الحقوق محفوظة

    جميع الحقوق محفوظة كافة المواد المنشورة في هذا الموقع محفوظة ومحمية بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية لا يجوز نسخ هذه المواد أو إعادة إنتاجها أو نشرها أو تعديلها أو اقتباسها لخلق عمل جديد أو إرسالها أو ترجمتها أو إذاعتها أو إتاحتها للجمهور بأي شكل دون الحصول على إذن كتابي مسبق Creative Commons License
    This work is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.

    مرحبا

    مرحباً أيها النازل للمرة الأولى .. هذا المنحدر.. مرحباً أيها الراكب ظهر الحرف.. نحو الحتف .. وبث الروح في نبض الحروف. إربط حزام الخوف..أنت في أهزوجة الجن.. بقايا من لحون.. لا تخف .. حصّن الروح ورتّل تعاويذ البقاء... وانطلق في عالم الموتى بقايا من فناء... لا تخف.. واشحن الآهات .. واعصر ما تبقى من دماغ... واكتب..وسجل

    قداش من مرة شافو المدونة

    زورو صفحتنا على الفيسبوك

    المشاركات الشائعة

    إلي يتبعو في حكاياتي