• الرئيسية
  • تطبيقة المدونة في ال google sotre
  • تطبيقات الرئيس في google store
  • dimanche 26 juin 2011

    هذا قد يكون كل حظه من الحب ... و هو حظ ليس رديئ على أى حال ...


    ظله محصور بين قدميه، و حيثما يستطيع النظر أن يصل لم يكن هناك ظل، والشمس تسكب كل صفرتها على التلال و المقابر، والفراغ الرطب فى قلبه يجعل أعوامه التي قربت الثلاثين شيئا لا معنى له كمحطة الحفلات الوحيدة الحية وسط هذا الجلال الميت، و فاجأته شذرات من التراب فنفذت لأنفه قبل أن يشيح بوجهه ... ما هذا ؟؟ أيمكن أن ينطوي مثل هذا المكان على هذ الرائحة العطرة ؟؟ امتلأ دهشة، و أحس بما يشبه الإلهام أن لهذا التراب طعم عيون إنسانية كانت تومض بالفرح وتمتلئ بالدموع وتعرف الحب ، ثم ماتت صاحبة العيون التى تومض ... هذا التراب ليس على ملك رجل ... تلك نفحة رقيقة لم يبق من صاحبتها غير قطرة العطر، التى اشترك ذهنه فى خلقها ولم ينفذ إلى حلقه منها غير ذرات التراب ... و حول جاهدا أن يتصور كيف كانت لحظات إنتظار الفتاة، طريقتها في الابتسام ... لون عينيها ... عالمها الضيق ... هل كانت طيبة ؟؟ و خيل له أنه صار يعرفها، ليست غريبة تماما عنه ... لم تعد غريبة عنه من اللحظات التى أقبلت فيها هبة التراب وهى تحمل عطرها الغريب ، وخيَّل إليه أنها تصافحه وتسلم عليه وتسأله عن أحواله ، وقال لها وطعم التراب فى فمه إنه ولله الحمد بخير، ولم يقل لها ما به لأن الشكوى لغير الله مذلة

    و أقبل سرب آخر من حبيبة التراب ... فأشاح عنها و حاول أن ينظم تنفسه، و ادهشه اكتشافه أنه يتنفس ... و راقب أنفاسه وحاول أن يعدها ، لم يكمل العشرة وشرد ذهنه ، ونسى أنه يتنفس، و ضاع منه في ذات اللحظه أحد أسرار الخليقة، و عاد الخمول يستعبده، و تأمل الحافلة، كان بلونه الأحمر وضوضائه والتراب يثيره يبعث على الغرابة، وأحس بحزن غامر كثيف يغمره . كم انتظر عبثا أن يلتهب شىء ويشع فى داخله ، ثم تقادم العهد على انتظاره فنسى ما كان ينتظره ، بات ينسى كثيرا هذه الأيام ، أطراف القميص بليت ونسى أن يلاحظ ذلك منذ شهر


    وصلت الحافلة فصعد. كانت شبه فارغه ، فالساعة الثانية عشرة وناس قلائل يجلسون ، وتصفح وجوه الجالسين، وغمره شعور بأنه متشرد مثل كلب أضاع فى الليل سيده ، ونسى شعوره وجلس فى مقعده ، ثنى يده وأخرجها من الشباك، تأمل وجه الفتاة التى تجلس أمامه ، كان وجهها جامدا لا يوحى بشىء، ونظر فى وجهها وفكر فى مئات الأشياء دفعة واحدة . فكر أنه قبل أن يرخى عينيه عن وجهها ستقع ملايين الأشياء فى الدنيا ، سيصرخ آلاف الأطفال وهم يولدون ، وستعطى فتاة نفسها لرجل يبتسم فى وجهها ويكذب ، وسينتهى شاعر هناك من آخر بيت محزن فى قصيدته ، وسيقذف رجل فى حانة بكأس من النسيان فى جوفه ، وسيصرخ قرد فى الغابة ونمر يلطمه تهيئة لالتهامه ، وفى البحر تتسابق الدلافين جوار المراكب لكى تلتهم ما يلقى من الطعام لكن أحدا لا يلقى شيئا ،


    ويسأل الدلفين الصغير والده أين الطعام الذى وعده به؟ فينهره الأب ويفهمه أنهما خرجا يتعلمان السباحة ، وفى الأرض تسقط أوراق كثيرة من الشجر وتتحرك من بطن الأرض ملايين النباتات بحنين إلهى لا يقاوم نحو الشمس .. وسيجلس هو ساكنا لا يفعل شيئا سوى ازدراد ريقه وقراءة اللافتات والاستلقاء بنظراته فوق المقاعد الخالية ، ثم وقع الحادث فجأة . شىء لا يمكن أن يحدث له أبدا.

    انتفضت الفتاة الجالسة أمامه ومدت يدها وأمسكت يده، كانت أصابعها باردة ومثلجة رغم قطرات العرق التى انعقدت عند منابت شعرها ، وشدت الفتاة يده إلى الداخل بسرعة وعنف ، ومرق فى نفس اللحظة أتوبيس ثان جوار الأتوبيس الذى يجلس فيه ، واندفع جواره كالسهم ، وكانت المسافة بين السيارتين تقل كثيرا عن المسافة التى كانت يده الممدودة تحتلها

    موش ترد بالك ؟؟؟-

    أنا ؟؟؟-

    إنها تتحدث إليه ، وهو يرد عليها ، وها هى تفتح فمها مرة ثانية لتقول شيئا لا تلبث أن تعدل عنه فتسكت . ونظر فى عينيها ، كان وجهها غاضبا وجادا ورقيقا فى نفس الوقت ، وخيَّل إليه أنه لمح مع ظلال الغضب ظلا رفيعا من الحب ، لعله يبالغ قليلا. ليس الحب .. لعله الود.. ليس الود تماما ، إنما هو الإشفاق . لا. لم يكن إشفاقا مشوبا بالسخرية ، لم يكن هذا اللطف المهين الذى اعتادت الفتيات أن يرمقنه به ، كان هذا عطفا يمتزج بالود، إنه مضطرب قليلا والأولى به أن يكف عن تحليل نظرة عينيها ويرجئ ذلك لوقت ينفرد فيه بنفسه وعاد ينظر فى وجهها ، ويحس بالضعف ، وأشاحت الفتاة بوجهها عنه ، وعاد للوجه جموده ، وخيِّل إليه وهى تستدير عنه أن وجهها خرج عن جموده وأضاء كالشمس وابتسم ، لكنه يعرف أنه هو الذى ابتسم وليست هى ، لم تبتسم هى ، وظل على وجهها طابع الجد العذب الذى يتميز به وجه قاض لا يمكن شراء ضميره .

    ونزلت الفتاة بعد محطتين ، فكر أن يلقى بنفسه خلفها ويسألها ألا تتركه ، لكنه ظل جامدا فى مكانه واكتفى بتأمل ظهرها ، و وقفت الحافلة أخيرا عند بيته ، ونزل بتكاسل ، لم يكن يملأ وجوده غير هذه اللمحة السريعة من الود الذى سطع فى عين الفتاة وهى تسحب يده . وفكر وهو يعطى الحافلة ظهره أن هذا قد يكون كل حظه من الحب، وأنه ليس حظا رديئا على أى حال.

    هدية لمن أحببتها

    التعليقات
    0 التعليقات
    التعليقات
    0 التعليقات

    Aucun commentaire:

    Enregistrer un commentaire

    جميع الحقوق محفوظة

    جميع الحقوق محفوظة كافة المواد المنشورة في هذا الموقع محفوظة ومحمية بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية لا يجوز نسخ هذه المواد أو إعادة إنتاجها أو نشرها أو تعديلها أو اقتباسها لخلق عمل جديد أو إرسالها أو ترجمتها أو إذاعتها أو إتاحتها للجمهور بأي شكل دون الحصول على إذن كتابي مسبق Creative Commons License
    This work is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.

    مرحبا

    مرحباً أيها النازل للمرة الأولى .. هذا المنحدر.. مرحباً أيها الراكب ظهر الحرف.. نحو الحتف .. وبث الروح في نبض الحروف. إربط حزام الخوف..أنت في أهزوجة الجن.. بقايا من لحون.. لا تخف .. حصّن الروح ورتّل تعاويذ البقاء... وانطلق في عالم الموتى بقايا من فناء... لا تخف.. واشحن الآهات .. واعصر ما تبقى من دماغ... واكتب..وسجل

    قداش من مرة شافو المدونة

    زورو صفحتنا على الفيسبوك

    المشاركات الشائعة

    إلي يتبعو في حكاياتي