دخل المركز التجاري، و ما إن دخل حتى ضاق قلبه به، و عوده أن يتحسس قلبه المسكين، تحسس جيب سرواله، حيث تستقر أمواله القليلة دافئة، عارفة بأنها السبب في اضطراب قلبه ... و بالفعل هدأت دقات قلبه عندما ربت على جيبه بمحبة ... طلبات زوجته لا تنتهي، قوائم طويلة من المشتريات لا بد من قضائها كلها اليوم، و إلا فالويل له ... ثم الويل للعالم !!
أعطته القائمة في تأني، كأنها تحمل إحدى بناتها و أردفت في رقة أصابته بالصمم :
" اشريهم فيسع، و ما تبقاش تشرب في قهوة و مبعد، كيف العادة، تجيبلي كان الحاجة المذرحة ... جاي اليوم إلي باش يخطب بنتك معاه بوه و أمو، لازمنا نكونو في أجمل ما يكون، واضح ؟؟ "
و ضربته بإحدى نظراتها المؤلمة، نعم ... كانت لها نظرات أحد من شفرة سكين المطبخ ...
دخل إلى أول متجر، تأمل البائعة الجميلة، و مما لا شك فيه أنهم يختارونهم ببراعة كما يختارون أسماء أولادهم، مرت زوجته بباله، و كيف كانت صدمته بعد شهرين من الزواج، أيعقل أن تكون هي الفتاة الرقيقة التي بهرته يومها بجمالها الصارخ ؟؟؟
ابتسمت البائعة في رقة، فذهب قلبه و سال إلى منتصف ساقيه و أردفت بصوت أقرب إلى الغناء : " تفضل تلوج على حاجة معينة ؟؟ "
تذكر زوجته أيام الخطوبة، و كيف كانت تضم شفتيها قبل أن تخرج كلمة، كأنها حريصة على كل حرف يصل من شفتيها، لكن بعض زواجهما صار صوتها يذكره بصفارة الإنذار على سيارة الإسعاف !!!
نظر لها - البائعة لا زوجته - في وجد، و زاد فيها تأملا : هل هي حقيقية فعلا أم هي بوكيمون !!
أمسك بنظراته الطبية، مسحها ببطء، و لمح في وجهها بدايات تذمر أو تذمر ... سارع و أعطاها الورقة، كأنه أسلمها مفاتيح قلبه، و قال و هو ينظر إليها في لزوجة " عندك الحاجات هاذم ؟؟ "
أطلقت يدها، لتلتقط الورقة، فأمسكها - الورقة لا يدها بالطبع - فعلت على وجهها معالم الدهشة، تجذبها نحوها فيجذبها نحوه، لم يقصد - لا سمح الله - معاكستها، لكنه الانجذاب الذي يصيبه ب " التبهيم " و يؤخر استجابة عضلاته لأوامر المخ المخدر ...
تركها أخيرا، فأخذتها مع قطعة من روحه، ثم قرأتها بتأني ... مطت شفتيها برقة ثم حركت رأسها بهدوء و هي تبتسم بأسف، مدت له بالورقة فمد يده و التقطها لكي تقول له : " هاذم ما تلقاهم كان عند الحاج مسعود في آخر الكولوار "
قال في غباء احرجه و بلهفة أحرجتها : " زعما ما نلقاهمش عندك ؟؟ لوجي شوية ، و زيد ما ثمة كان الحاج مسعود هذا ؟؟ "
نظرت بدهشة و لم ترد، و أنقذها مقدم زبون آخر فاعتذرت في رقة و انصرفت ...
زاد تجلي سوء حظه بعدم فتح العم مسعود لدكانه ...