• الرئيسية
  • تطبيقة المدونة في ال google sotre
  • تطبيقات الرئيس في google store
  • mardi 13 septembre 2011

    و كيف ما غنت فيروز : بعثتلك يا حبيب الروح ... بعثتلك روحي


    السحب البيضاء تسبح فى خفة و رشاقة على صفحة السماء الزرقاء دون هموم, والخريف يهمس بسره المسحور فيفيض الكون بهاء وشجونا، والهواء البارد يعانق وجه الفتى الذى يطل من شرفة منزله متطلعا إلى الأفق البعيد . أشاح بنظرة حانية من عينيه وهو يتأمل الوردة الحمراء وسط الأوراق الخضراء اليانعة فى الأصيص الخاص بها. لم تكن جميع ألوان الطيف لتضاهى هذا اللون الزاهى البديع . ثم إن هذه الوردة بالذات ليست كأى وردة . إنها ليست أرضية إذا جاز التعبير . منشؤها من السماء فى جنة عدن وتشبث هو ببذرتها حين هبط إلى الأرض لتكون بعد آلاف السنين رسول أشواقه إلى حبيبته الصغيرة الفاتنة .

    هى تصغره بعام واحد, تلميذة بالقسم الأول الثانوى بالمدرسة المجاورة لمنزله ... صغيرته التى لم يُمل عينيه من ملامحها قط إذ يغشى على بصره عندما يراها، يستولى النور الذى يتألق من شمسها فتخشع عيناه لضيائها، ويرحل فى ليل شعرها مسافات العاشقين . أما عيناها الخجولتان فعصفور يفر حينما اقترب الصياد, ولكن هل يعلم العصفور أن الصياد قد وقع فى شباك العصفور وأصبح أسيره ؟؟؟

    كان فارغ البال من شؤون العشاق وشجونهم حتى رآها تتهادى تحت شرفة منزله كل صباح فى غدوها إلى مدرستها, رقصت النحلة رقصة الحب الخالدة . واندفعت صوب الزهرة مقفلة العينين ، وسال الشهد الرائق أنهارا. وكان أجمل ما فى صباحه أن يرتقبها فى شرفته كل صباح فيحبس الكون كله أنفاسه معه حتى يغيب طيفها الجميل فيتنهد الكون بأسره معه . كان يتأمل الكون بالبراءة الأولى . لم يزل يدهشه شروق الشمس من مخدعها كل صباح وسيرها الملحمى صوب الغرب هناك، حيث تغفو فى مهدها المضرج بالشفق ...

    كان يحيا فى الجنة مثل جده الأول الذى أبصر أمامه امرأة فاتنة خلقت من ضلعه الذى يجاور فؤاده ولذلك احبها على الفور . شرع يرمق حسنها فى لهفة المحبين ثم ما لبث أن جدٌل عقدا فريدا من الورود وتقدم إليها مأخوذا من سحر ابتسامتها إليه وهو يقترب, وحينما قلدها عقد الزهور الفريد أدرك أنها قد أصبحت امرأته, لكن صديقنا لم يكن فى جنة عدن ليُقلدها عقد الزهور ... لم تعد الحياة بالبساطة الأولى وعليه أن يجد رسولا آخر ولذلك فقد اعتاد أن يلقى فوق رأسها الجميل بقرص أسبرين صغير ...

    فى المرة الأولى هلعت من المفاجأة وابتعدت خطوة واحدة ثم رفعت رأسها فوجدته يرمقها فى شحوب . ثم تراجع عن مرمى بصرها وهو يرتعش من الانفعال : هل أسأت إليها ؟ أتراها غاضبة ؟ هكذا شرع يفكر ... وأنحى على نفسه بالملام خشية أن تظنه فتى عابثا . كان مناه أن يجلو غبار السنين لتذكر عهد الحب الأول .

    ولكنه لم يالبطه أن يجد نفسه فى الصباح التالى يرمى رسول الغرام قرص الأسبرين الأبيض على رأسها لدى مرورها تحت شرفة منزله : رفعت بنظرها نحوه فأسرع بالابتعاد . فى الصباح التالى أخذ شجاعته بين يديه ولم يتراجع فأبصرته متجهما ( كيف يجرؤ على الابتسام؟ ) . لم تبتسم هى الأخرى ( يرجو ألٌا تكون غاضبة ) ... أطرقت برأسها صوب الأرض ثم مضت فى تؤدة، بعد ذلك لم تعد ترفع رأسها قط . كان وجهها يضطرم بالخجل كلما سقط رسول الغرام الأبيض على شعرها إلا أنها لم تمتنع عن المرور تحت شرفته :)

    ولكن هذا الصباح لم يكن ليشبه أى صباح آخر, لم ينكر امتنانه لقرص الأسبرين اللطيف الذى أدى مهمة لم تخطر قط على بال صانعه لكنه كان يبحث عن رسول آخر أرق وأجمل، واهتدى إلى الحل السعيد : وردة تختزل بهاء الكون فى أوراقها, وردة حمراء بديعة الشذا تحمل رسالته الصامته, لكنه لن يبتاعها فرسوله - كمشاعره - لا يُباع ولا يشترى . سوف يحضر الأصيص الخاص بها ويطليه بيديه, ويختار التربة الملائمة ويخرج البذرة التى خبأها فى أوتار فؤاده منذ ذلك العهد السعيد فى جنة عدن ويزرعها بيديه ثم يسقيها بندى الصباح . وليكن شاغله الأول أن يرقب نموها ويبثها أشواقه ويهمس إليها بسره الجميل .



    فى ذلك الصباح كانت الوردة قد استوت كأجمل وردة رآها فى حياته . لذلك اقتطف الوردة عازما أن يهديها إياها . كان يقف فى الشرفة ممسكا بالوردة اليانعة بأنامل مرتجفة وأنفاس مضطربة . كانت أسراب الفتيات تمر تحت شرفته كالظباء، ولكنه كان فى شغل عنهن. لقد تأخرت الحبيبة عن موعدها المعتاد. ألا ليته لم يتعجل قطاف الوردة !! أقفر الطريق من الفتيات تقريبا وتناهى إليه صوت أمه تتساءل عن سبب تأخره ، فأجابها بصوت حزين أنه سيذهب ... أظلم وجهه وهو يتأهب لمغادرة الشرفة ...


    ولم يصدق ما رآه : إنها مقبلة ... كانت تمضى صوب مدرستها بخطى سريعة وهى توشك على العدو ( لم يدر إلا اليوم كم هو متيم بها !) كاد قلبه أن يتوقف من الانفعال . كانت تركض دون أن ترفع بصرها محاولة اللحاق بالمدرسة خشية إغلاق أبوابها ... ( تمهلى قليلا أتوسل إليك ) وأسقط الوردة من يديه ...

    كانت قد جاوزتها بخطوة واحدة فلمست الوردة بطرف ثوبها فالتفتت ... أبصرت الوردة الحمراء تتوهج على الأرض فتوقفت لثانية واحدة وبدا التردد على وجهها . لم تكن تدرى ماذا تفعل ! كان صوت الأجراس يتناهى إلى مسمعها من بعيد وهمت أن تعدو إلى المدرسة خشية إغلاق الأبواب سارت خطوة واحدة ثم توقفت ارتدت بخطوات عجلى وانحنت على الأرض فاحتضنت الوردة الحمراء بيديها الصغيرتين ورفعت وجها منيرا ... تلاقت عيونهما فابتسم فوجدت نفسها تبتسم ...

    ثم دست الزهرة فى حقيبتها فى عجلة وعادت تركض صوب المدرسة


    التعليقات
    0 التعليقات
    التعليقات
    0 التعليقات

    Aucun commentaire:

    Enregistrer un commentaire

    جميع الحقوق محفوظة

    جميع الحقوق محفوظة كافة المواد المنشورة في هذا الموقع محفوظة ومحمية بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية لا يجوز نسخ هذه المواد أو إعادة إنتاجها أو نشرها أو تعديلها أو اقتباسها لخلق عمل جديد أو إرسالها أو ترجمتها أو إذاعتها أو إتاحتها للجمهور بأي شكل دون الحصول على إذن كتابي مسبق Creative Commons License
    This work is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.

    مرحبا

    مرحباً أيها النازل للمرة الأولى .. هذا المنحدر.. مرحباً أيها الراكب ظهر الحرف.. نحو الحتف .. وبث الروح في نبض الحروف. إربط حزام الخوف..أنت في أهزوجة الجن.. بقايا من لحون.. لا تخف .. حصّن الروح ورتّل تعاويذ البقاء... وانطلق في عالم الموتى بقايا من فناء... لا تخف.. واشحن الآهات .. واعصر ما تبقى من دماغ... واكتب..وسجل

    قداش من مرة شافو المدونة

    زورو صفحتنا على الفيسبوك

    المشاركات الشائعة

    إلي يتبعو في حكاياتي