
كنت جالسا، في البيت وحدي، ووحدي كـنت وحدي ... عندمـا فكرت، وحدي ... عندما تألمت، وحدي ... عندما كبرت، وحدي ... وحدة الروح الأخيرة ... أرتشف قهوتي شديدة السواد و أفكر " لماذا لا شيء يعجبني ؟؟؟ " : دَرَسْتُ الأركيولوجيا دون أَن أَجِدَ الهُوِيَّةَ في الحجارة ... دَلَلْتُ حبيبتي على قبري’فأعْجَبَها ونامت ولم توَدِّعْني ... و مثلما قال محمود درويش : "أن أيضا لا شيء يعجبني ... ولكني تعبتُ من السِّفَرْ" أنا أيضا تعبت من السفر و آن لي آن أرتاح ...و بما أنه لا ينتحر الا المتفائلون ... المتفائلون الذين لم يعودوا قادرين على الاستمرار في التفاؤل ... أما الآخرون، فلماذا يكون لهم مبرر للموت وهم لايملكون مبررا للحياة، قررت أن أنتحر ... !!
فقررت أن أقفز من شقتي في الطابق العاشر و أريح الناس مني و من حملي و حتى من وجهي اللذي أنا شخصيا لا أكن له شديد الحب ... هممت بنفسي و حملة أشلائي لحافة الشرفة ... و قفزت .... !!!
بدأت في الصياح، لكن لحرارة الطقس خارج الشقة ( لم أشعر بها لأني لا أستغني عن مكيف الهواء في مثل هذا الحر ) فقدت لعابي و صوتي، فتركت ما كنت أنوي قوله و أنا ساقط و إلتهيت بالفرجة على شرفات المنزل التي أمر بها :
إنه الطابق التاسع، المنجي و زوجته درصاف، كم حسدتهما لحبهما لبعضهما و سعادتهما، كانا مثل العصفورين المغردين في العمارة، لكن هاته المرة كانا يتشاجران، و كان يهم بضربها، لم يكونا سعيدين إلا أمام سكان العمارة !!!!!
إنه الطابق الثامن، أليس هذا الشاب الضحوك فوزي، يدرس التنشيط الشبابي و يشتغل مهرجا في سيرك في أوقات فراغه، لكنه يبكي بشدة ... يبكي ... !!!!

إنه الطابق السابع، العمة بهيجة، كانت كل يوم تساعد المنظفة على مسح السلم و تشرب و إياها الشاي أمام منزلها، لكن ما هذا الوجه الشاحب ؟؟ و ما كل هاته الأدوية اللتي تأخذها؛ إنها مريضة ... مريضة جدا ... !!!
مررت بالطابق السادس، أردت تحيته، إنه سالم ، مهندس عرفته في مقهى الحي و متخرج منذ خمس سنوات، لكنه مازال يشتري سبع صحف يوميا بحثا عن عمل !!!
وصلت إلى الطابق الخامس، أعمى عيناي لمعان نظرات العم منصور، عجوز ينتظر أحدا يزوره و يسأل عن أحواله من أحفاده أو بناته المتزوجين ... و لكن بابه لم يدق يوما !!!
عرفت أنني وصلت الطابق الرابع عندما رأيت جميلة العمارة، هيام، دائما في قمة جمالها و أنفتها موشحة وجهها بإبتسامتها العريضة، لكنها تبكي الآن، تنظر إلى صورة زوجها الراحل منذ عامين و تبكي بحرقة ... !!!!
بقية العمارة إسمنتية؛ تحتوي مكاتب هندسية و مكاتب محامين، لذلك تركت إلتهائي بالناس، و انغمست في ذكر الشهادتين و تلاوة ما تيسر من القرآن الكريم برواية الإمام قالون، إلى أن قطع بث الصورة و الصوت و ساد صمت رهيب أثار في الرهبة و الخوف ... رأيت الناس اللذين كنت أتفرج عليهم و أنا في طيراني الشاقولي مجتمعين حول جثتي و هم يضربون كفا بأخرى و يقولون : " كان ناس طيبة " ...
ليتني ما انتحرت، كنت أقل الناس هما وجدت أنه في الحقيقة، حزني وَبؤسي لم يكونا سيئين على الإطلاق !!!
imchich ta3malha w t5alini :p excellent texte :)))
RépondreSupprimerنص جميل و أسلوب شيق لكن عنوان النص فيه نظر
RépondreSupprimerفي العمارة ، وراء كل نافذة حكاية و مرارة
RépondreSupprimerفي العمارة ، حين تلتقي جيرانك أمام باب المصعد لا تصدّق ابتساماتهم الصباحية و "صباح الخير" بكل أريحيّة ...فهم يتصنّعون السعادة حتى لا نقول بؤساء ..كما لو أنّ البؤس تهمة ..أوليست "بؤساء" "هيغو"،تحفة عصره؟
في العمارة ، لا تصدّق إلّا ما تراه عيناك من خلال بلّور نوافذهم و أنت في "طيرانك الشاقولي"